أنواع مرض السكري: الوقاية والعلاج والتعايش معه
يُعدّ مرض السكري من أكثر الأمراض المزمنة انتشارًا حول العالم، ويؤثر بشكل كبير على حياة المرضى إذا لم يتم التحكم فيه بشكل صحيح. إن فهم طبيعة هذا المرض وأنواعه المختلفة، بالإضافة إلى التعرف على طرق الوقاية وأساليب العلاج وكيفية التعايش معه، يشكّل خطوة أساسية للحفاظ على صحة جيدة والحدّ من المضاعفات المحتملة. يقدّم هذا المقال دليلًا شاملًا يساعد القارئ على الإلمام بكل ما يتعلق بالسكري، من النوع الأول إلى النوع الثاني وأنواع أخرى أقل شيوعًا، مع التركيز على أهمية نمط الحياة الصحي والمتابعة الطبية المنتظمة.
أنواع مرض السكري
يُعتبر مرض السكري من أكثر الأمراض المزمنة انتشارًا، إلا أن أنواعه ليست واحدة، بل تختلف من حيث الأسباب والعوامل المؤثرة وطرق العلاج. لنستعرض معًا أبرز هذه الأنواع:
السكري من النوع الأول
يحدث هذا النوع نتيجة خلل في الجهاز المناعي، إذ يهاجم الجسم خلايا البنكرياس المنتجة للإنسولين، فيتوقف عن إفرازه كليًا.
التوقيت: قد يُصيب أي عمر، لكنه غالبًا ما يظهر في مرحلة الطفولة أو المراهقة.
الأسباب: ترتبط الإصابة بعوامل وراثية، أو أحيانًا بعدوى فيروسية تؤثر على جهاز المناعة.
العلاج: لا يوجد بديل عن الإنسولين الخارجي مدى الحياة، فهو العلاج الأساسي.
عوامل الخطر: وجود تاريخ عائلي للمرض، إضافة إلى فترة المراهقة حيث تزداد الاضطرابات الهرمونية.
يُعد الأكثر شيوعًا، وغالبًا ما يظهر عند البالغين، لكن في السنوات الأخيرة بدأت الحالات تُسجَّل حتى بين الأطفال.
السبب: إما أن البنكرياس لا يُنتج كمية كافية من الإنسولين، أو أن الخلايا لا تستجيب له فيما يُعرف بـ "مقاومة الإنسولين".
الأسباب المحتملة: السمنة، العوامل الجينية، ونمط الحياة غير الصحي.
عوامل الخطر:
الوزن الزائد.
التقدم في العمر (خاصة بعد سن 45).
قلة النشاط البدني.
الإصابة السابقة بسكري الحمل.
وجود مقدمات السكري.
ضغط دم مرتفع أو مستويات مرتفعة من سكر الدم.
مقدمات السكري (أو السكري المؤقت)
يُسمى أحيانًا بـ "مرحلة ما قبل السكري". في هذه المرحلة يكون مستوى السكر مرتفعًا، لكن لا تظهر أعراض قوية أو مستمرة.
الوقاية: اتباع نظام غذائي متوازن وممارسة الرياضة بانتظام قد يمنع تحوله إلى سكري دائم.
الأعراض المحتملة: الشعور بالعطش الشديد، كثرة التبول، إرهاق متكرر، زغللة في الرؤية، وأحيانًا تنميل في الأطراف.
عوامل الخطر: تشبه إلى حد كبير عوامل النوع الثاني.
السكري الكاذب
على الرغم من اسمه، إلا أنه ليس سكريًا حقيقيًا لأنه لا يرتبط بمستويات الغلوكوز.
السبب: مشاكل في الكلى تمنعها من الاحتفاظ بالسوائل، فيشعر المريض بعطش مستمر ويفقد كمية كبيرة من الماء.
الأعراض: عطش مفرط، كثرة التبول، فقدان السوائل.
العلاج: لا يوجد علاج نهائي، لكن بعض الأدوية تساعد على السيطرة على الأعراض.
يظهر أثناء الحمل بسبب تأثير هرمونات المشيمة التي تُقلل من استجابة الجسم للإنسولين.
الطابع: غالبًا ما يختفي بعد الولادة، لكنه قد يزيد من احتمالية إصابة المرأة بالنوع الثاني مستقبلًا.
عوامل الخطر:
زيادة الوزن قبل الحمل.
وجود تاريخ عائلي للمرض.
الإصابة السابقة بسكري الحمل.
إنجاب طفل وزنه يزيد عن 4 كيلوغرامات.
مضاعفات وأمراض ناتجة عن السكري
لا يتوقف تأثير مرض السكري على ارتفاع مستويات السكر في الدم فحسب، بل يمتد ليؤثر على أعضاء وأجهزة عديدة في الجسم. ومع مرور الوقت، يمكن أن تظهر مضاعفات خطيرة ما لم تتم السيطرة عليه بشكل جيد. فيما يلي أبرز هذه الأمراض:
أمراض القلب والسكتة الدماغية
يؤدي ارتفاع السكر في الدم إلى تراكم الدهون على جدران الأوعية الدموية، مما يشبه انسداد أنابيب المياه بالترسبات مع مرور الزمن. ومع ضيق هذه الأوعية، تزداد احتمالية الإصابة بنوبة قلبية أو جلطة دماغية. وتزداد الخطورة بشكل أكبر لدى من يعانون من ارتفاع ضغط الدم أو الكوليسترول، أو لدى المدخنين. ومن العلامات التي تستدعي الانتباه: الشعور بآلام في الصدر أو صعوبة في التنفس أثناء بذل مجهود.
أمراض الكلى
تُعرف الكليتان بأنهما "فلاتر الجسم"، لكن مرض السكري يضعف قدرتهما على تنقية الدم تدريجيًا، وقد يؤدي إلى الفشل الكلوي المزمن. وفي كثير من الحالات، يترافق تدهور الكلى مع ارتفاع ضغط الدم. ولتفادي الوصول إلى هذه المرحلة، يُنصح بإجراء فحوصات البول بانتظام للكشف المبكر عن أي خلل، مثلما نفحص السيارة بشكل دوري قبل حدوث عطل كبير.
تلف الأعصاب (الاعتلال العصبي)
عندما تضيق الأوعية التي تغذي الأعصاب، تبدأ هذه الأخيرة في فقدان وظيفتها تدريجيًا. النتيجة؟ شعور بالوخز أو التنميل في القدمين واليدين، وقد يتطور الأمر إلى آلام مزمنة أو مشاكل في الهضم مثل الغثيان والإمساك، وأحيانًا اضطرابات في الوظائف الجنسية. ويشتد الخطر مع التدخين أو وجود التهابات مزمنة. تخيّل أنك ترتدي قفازًا سميكًا يمنعك من الإحساس بملمس الأشياء؛ هكذا يشعر المريض مع اعتلال الأعصاب.
مشاكل العين
شبكية العين من أكثر الأعضاء حساسية لتغيرات السكر. قد تتعرض أوعيتها للانسداد أو ينمو فيها أوعية جديدة بشكل غير طبيعي، مما يؤدي إلى ضعف البصر أو حتى العمى في الحالات المتقدمة. ومن المضاعفات الشائعة أيضًا: إعتام عدسة العين وارتفاع ضغط العين (المياه الزرقاء). ولهذا يُوصى بزيارة طبيب العيون سنويًا، وعدم إهمال أي عرض مثل تشوش الرؤية أو رؤية بقع سوداء.
قُرح الجلد والجروح
يواجه مرضى السكري صعوبة في التئام الجروح، حيث إن ارتفاع السكر يبطئ من عملية التعافي ويزيد من خطر العدوى. وفي حال الإهمال، قد تتطور الجروح إلى قروح مزمنة قد تصل أحيانًا إلى مرحلة البتر. ولذلك، فإن العناية الفورية بأي خدش أو جرح—ولو كان بسيطًا—تعتبر خطوة وقائية أساسية.
التعايش مع مرض السكري
مفهوم التعايش مع السكري
هل يمكن للسكري أن يسلبك حياتك الطبيعية؟ قطعًا لا.
فالإصابة به لا تعني الاستسلام أو الانسحاب من أنشطتك اليومية، بل قد تكون بداية رحلة جديدة نحو حياة أكثر انضباطًا وصحة. إن النظر إلى السكري باعتباره حافزًا للالتزام بالعادات السليمة يجعل منه وسيلة للوقاية من مضاعفات خطيرة بدلًا من كونه عائقًا.
خطوات أساسية للتعايش مع السكري
المتابعة الطبية المنتظمة
يعد الحرص على العلاج الدوائي في أوقاته المحددة، سواء كان أقراصًا أو حقن أنسولين، خط الدفاع الأول. ومن الضروري أيضًا استخدام جهاز قياس السكر المنزلي يوميًا للتعرف على التغيرات، وفهم كيف يتفاعل الجسم مع الطعام أو الجهد البدني.
إلى جانب ذلك، يحتاج المريض إلى مراجعة الطبيب كل 3–6 أشهر لضبط الخطة العلاجية، وإجراء فحوصات سنوية شاملة تكشف عن أي مضاعفات محتملة مثل اعتلال الشبكية أو مشاكل الكلى.
ضبط الوزن
هل تعلم أن فقدان 5–7% فقط من وزنك يمكن أن يقلل خطر المضاعفات بنسبة تصل إلى 58%؟ هذه النسبة المذهلة تكشف قوة تأثير الوزن على استقرار السكر. فخسارة الكيلوغرامات الزائدة تساعد على تحسين عمل الإنسولين، وتقلل من مخاطر القلب وارتفاع الكوليسترول.
النشاط البدني المنتظم
الرياضة ليست رفاهية، بل علاج مساعد للسكري. يكفي نصف ساعة يوميًا من المشي السريع أو ركوب الدراجة لتخفيف الأعراض وتقليل فرص حدوث المضاعفات. ومن الأفضل استشارة الطبيب أو مدرب متخصص لتحديد النشاط الأكثر أمانًا. تخيل أنك تستبدل الجلوس الطويل بجولة مشي مع صديق؛ سيكون لذلك أثر مزدوج: صحي ونفسي.
الغذاء المتوازن
الغذاء هو حجر الأساس. لا يعني السكري الحرمان التام، بل الاعتدال والاختيار الذكي.
استبدل السكريات البسيطة (مثل الحلويات والمشروبات الغازية) بالمواد الكربوهيدراتية المعقدة كالخبز الأسمر، الشوفان، والأرز البني.
استخدم المحليات الصناعية المصرح بها مثل السكرالوز بدلًا من السكر العادي.
راقب حصصك اليومية: يكفي 3–4 حصص من النشويات، مع الاهتمام بالخضروات والبروتينات.
لا تنس شرب الماء بكميات كافية، والابتعاد عن المقالي والأطعمة السريعة.
الابتعاد عن التدخين
التدخين عدو صامت يضاعف خطر أمراض القلب والشرايين عند مرضى السكري. الإقلاع عنه قد يبدو صعبًا، لكن الحل يبدأ بخطوات صغيرة، مثل استخدام بدائل النيكوتين أو الاستعانة بمتخصص في العلاج السلوكي. ولا يقل ضرر التدخين السلبي عن المباشر، لذا يُنصح بتجنب البيئات الملوثة بالدخان.
العناية بالقدمين
قد تبدو العناية بالقدم أمرًا بسيطًا، لكنها من أهم جوانب التعايش مع السكري. فالأعصاب في الأطراف عرضة للتلف سريعًا، ما يزيد احتمال حدوث جروح أو التهابات. لذلك يُنصح بفحص القدمين يوميًا، وغسلها وتجفيفها جيدًا، وارتداء أحذية مريحة مناسبة، مع تجنب المشي حافيًا.
النظام الغذائي ودوره اليومي
للتغذية مفعول السحر في السيطرة على السكر. يُفضل الالتزام بـ ثلاث وجبات رئيسية موزعة بانتظام، مع الحفاظ على فاصل زمني من 4–5 ساعات بين كل وجبة وأخرى. أما قبل النوم، فقد تكون وجبة خفيفة ضرورية خصوصًا لمن يستخدمون الأنسولين.
ولتفادي الارتباك، يمكن الاستعانة بالهرم الغذائي وأخصائي التغذية لوضع خطة شخصية تعتمد على العمر، والوزن، ومستوى النشاط البدني، أو حتى ظروف خاصة مثل الحمل.
طرق علاج مرض السكري
أولًا: علاج السكري من النوع الثاني
يُصمم العلاج عادةً بشكل فردي لكل مريض، اعتمادًا على نتائج التحاليل المخبرية، ومستويات الغلوكوز في الدم، وكذلك وجود مضاعفات أو أمراض مرافقة. والهدف الأساسي هو الحفاظ على توازن السكر في الدم، والوقاية من الهبوط الحاد سواء في سكر الدم أو ضغطه، مع مراعاة الوضع الصحي العام لكل مريض.
تغييرات في نمط الحياة
لا شك أن أول خطوة في العلاج تبدأ من أسلوب الحياة.
التغذية الصحية المتوازنة: مثل الإكثار من الخضروات وتقليل الأطعمة المقلية والحلويات.
النشاط البدني: ممارسة رياضة مناسبة كالمشي السريع أو السباحة.
ضبط الوزن: فخسارة الكيلوغرامات الزائدة تساعد الجسم على الاستجابة للإنسولين بشكل أفضل.
مثال: مريض وزنه زائد 10 كيلوغرامات، فقد 5 كيلوغرامات فقط، قد يلاحظ تحسنًا ملموسًا في مستويات السكر.
الأدوية الفموية
عندما لا تكفي التغييرات الحياتية وحدها، يلجأ الطبيب إلى الأدوية:
الميتفورمين: الخيار الأول غالبًا، يعمل على تقليل إنتاج الغلوكوز من الكبد، لكنه لا يناسب مرضى الفشل الكلوي.
السلفونيل يوريا: يحفز إفراز الأنسولين، غير أنه قد يؤدي إلى زيادة الوزن أو انخفاض حاد في السكر.
الثيازوليدينيديونز: تساعد على تحسين مقاومة الجسم للأنسولين.
الميغليتينيد: مشابه للسلفونيل يوريا، وله نفس مشكلة زيادة الوزن.
مثبطات ألفا-غلوكوزيداز: تبطئ امتصاص السكر من الأمعاء، لكن قد تسبب غازات وإسهالًا.
مثبطات DPP-4: تنظم الغلوكوز بشكل معتدل، وميزتها أنها لا تسبب زيادة في الوزن.
ناهضات GLP-1: تساهم في ضبط الغلوكوز، وقد تساعد على فقدان الوزن، لكن آثارها الجانبية تشمل الغثيان والإسهال.
الحقن
الأنسولين:
طويل الأمد: يوفر جرعة أساسية يومية ثابتة.
قصير الأمد: يُعطى بعد الوجبات بحسب كمية الطعام.
البراملينيتيد: يُستخدم مع الأنسولين لزيادة فعالية العلاج.
مراقبة سكر الدم
تساعد المتابعة اليومية للسكر في أوقات مختلفة (صباحًا وبعد الوجبات) على معرفة مدى فعالية العلاج وضبط الجرعات.
علاج عوامل الخطر المرافقة
السكري لا يأتي وحيدًا، بل غالبًا يترافق مع مشكلات أخرى، لذلك يجب:
التوقف عن التدخين.
ضبط ضغط الدم المرتفع.
معالجة ارتفاع الكوليسترول (باستخدام أدوية مثل الستاتينات).
اللجوء إلى الأسبرين عند وجود مؤشرات قلبية.
خيارات إضافية
في حال فشل جميع الطرق السابقة، قد يلجأ الأطباء إلى جراحة إنقاص الوزن، خصوصًا إذا كان مؤشر كتلة الجسم (BMI) أكبر من 35.
ثانيًا: علاج السكري من النوع الأول
هنا يختلف الأمر كليًا، إذ يعتمد العلاج على الأنسولين بشكل أساسي.
المراقبة اليومية للسكر: تتم إما عبر وخز الإصبع أو باستخدام أجهزة استشعار تحت الجلد.
الأنسولين:
طويل الأمد: يؤمن احتياجات الجسم الأساسية.
قصير الأمد: يُستخدم بعد الوجبات ليتناسب مع كمية الطعام ونسبة الغلوكوز.
ثالثًا: علاج السكري الحملي
أثناء الحمل، يصبح ضبط السكر أكثر أهمية، لأنه لا يؤثر على الأم وحدها بل على الجنين أيضًا.
التركيز على غذاء صحي وممارسة الرياضة الخفيفة.
متابعة دقيقة لمستويات السكر طوال فترة الحمل والولادة.
في نحو 10–20% من الحالات قد تحتاج الحامل إلى الأنسولين.
الهدف هنا هو حماية الجنين والوقاية من هبوط السكر المفاجئ بعد الولادة.
رابعًا: علاج مقدمات السكري
عندما يكون المريض في مرحلة "الإنذار المبكر"، لا يعني ذلك الاستسلام، بل على العكس قد يكون فرصة ذهبية لتجنّب تطور المرض.
نمط حياة صحي: غذاء متوازن + نشاط رياضي + فقدان وزن زائد.
الأدوية عند الضرورة:
الميتفورمين الأكثر شيوعًا.
أدوية للضغط أو الكوليسترول (مثل الستاتينات).
أحيانًا جرعة منخفضة من الأسبرين.